صور كاميرا الموبايل 999 اننى لااتقدم هنا بفكرة نظرية من تلك الافكار التى هى اقرب الى الرياضة الذهنية منها الى المشكلات العملية … بل اتقدم بفكرة تعاودنى كلما عاودتنى مسألة تحيرت فى حلها حلا حاسما يزيل القلق من نفسى ازاءها …وهى مسألة ضاربة فى حياتنا عند جذورها …وماذا تقول فى مسألة تدير سؤالها حول الذات المصرية فى صميمها ؟ 

انه لايكفينا ان تفض مشكلة كهذه لها مالها من عمق النأثير فى وجدان المصرى …بعبارة عجلى نلقى بها لنستريح والا فما كان اهون ان نقول عن المصرى – وهو قول اكرره مرارا لنفسى عن نفسى-   اقول ما اهون من ان نقول عن المصرى انه  يمتد بماضيه الى العصر الفرعونى …ثم هو عربى…وهو بمصريته تلك وعروبته هذه جذء من الامة الاسلامية … هذا قول سهل ومريح… وهو فوق ذلك قول نؤمن به او على الاقل يؤمن به كاتب هذه السطور … اذ هو مقتنع من عمق قلبه وفؤاده انه مصرى عربى مسلم ثم لايهمه بعد ذلك ان تضاف الى هذه الابعاد ابعاد اخرى كالانتماء الافريقى مثلا …نعم هذا قول سهل مريح ولكن ماذا لو حللنا هذه الصفات الثلاث : المصرية والعربية والاسلامية فوجدنا بعض العسر فى ان نجعلها متطابقة كل التطابق بعضها مع بعض …ان كرامة عقولنا تقتضينا الا نقذف بشفاهنا كلمات لها من الخطورة ما لهذه الكلمات الثلاث دون ان نكون على وعى كامل بما هو مضمر فيها من معان …واذن فهى قضية جديرة بالنظر المتأمل الدقيق لكى تطمئن قلوبنا بأننا اذ نصف انفسنا بهذه الصفات الثلاث …فنحن نعنى مانقوله ونعيه

انه لمما يبعثنا حقا على ابتسامة الساخر ان نجد انفسنا بصدد سؤال نسأل به عن حقيقة الهوية المصرية لان السؤال عن حقيقة الهوية اذا  جاز طرحه على الشعوب بالنسبة الى شعوب قصيرة التاريخ – فهو فيما يبدو – لايجوز طرحه على اقدم امة فى التاريخ … فمصر حين اجتازت سبعين قرنا من الزمن وخاضت خلالها حضارات تعاقبت عليها لم يكن لها فى كل مرحلة هوية خاصة اختلفت عن هويتها قبل ذلك وبعد ذلك بل كانت هى هى مصر مع زيادة فى عمق الخبرة وفى رهافة الحس الحضارى عند ابنائها انها لم تكن فى كل مرحلة جديدة يجيئها بها التاريخ تغسل عن جسدها غبار المرحلة السابقة بل كانت كالذى يرتدى ثوبا جديدا يضيفه الى ثيابه او كانت مثل كرة الثلج التى شرح بها هنرى برجسون فعل الزمن الكائن الحى فى ان تلك الكرة كلما تدحرجت على سفح الجبل ازدادت كثافة الثلج فى كيانها .

ان اللحظة الجدبدة فى حياة الانسان لاتمحو فعل اللحظات السابقات بل تضيف اليها جديدا …فاذا  نخن اجرينا على المصرى بحثا تحليليا بالمنهج البنيوى الجديد ( الذى يروجونه هذه الايام فى النقد الادبى وفى غيره مما يتصل بالانسان وحياته وتاريخه) لخرجنا من البحث ببنية مركبةبقدر ما يتسع لذلك المحصول الحيوى الخيرى الغزير الذى امتصته مصر على امتداد القرون والذى كونت به هويه المصرى.

نعم لبعث فينا ابتسامة الساخر ان نجد مجال السؤال مازال مفتوحا امامنا …من هو المصرى ؟

ايدخل فى عناصر هويته انه عربى وانه مسلم … واذا كان ذلك كذلك فكيف كان ؟

لكن ما حيلتنا وفى الموقف الحاضر شئ من الخلط وتداخل العناصر بعضها فى بعض حتى لتتعذر علينا الرؤية الواضحة فى كثير من الاحيان .

فمن حيث انا مصرى ارانى معتزا بميراث اسلامى منذ اول يوم شهدت فيه الارض مصريا يترك على تربتها اثار قدميه …

وكيف لااعتز بذلك الميراث ولم يكن المصرى بما شيده لاهيا ولا عابثا …انه حكم… وديانة …و عمارة …وفن… وزراعة… ونصر فى القتال … فلو كان قد تسلل الى دمائى من كل جانب من جوانب ذلك المجد اقل من خردلة لكان فيما ورثته من هؤلاء الاسلاف ما يملأ نفسى اعتزازا بآبائى الاولين …الى هنا والقول منساب فى سلاسة وسهولة واقتناع … لكننى مسلم يتلوا كتاب الله ويؤمن بكل ماجاء فيه ومن بين ما جاء فيه اربعة وسبعون آيه عن فرعون وفى كل آيه منها اشارة الى ضلالة من ضلالاته.

تلك اذن احدى النقاط التى قد تثير القلق فى نفس من اراد وهو مصرى مسلم ان يظل فخورا بأسلامه فى تاريخه القديم فهل يكفى لزوال ذلك القلق ان نقول ان الايات الكريمة انما تعنى فرعون واحدا …هو فرعون موسى  ( واظن انه  هو رمسيس الثانى ) جاءه موسى عليه السلام  بآيات الله فابى وظلم …وقال موسى يافرعون انى رسول من رب العالمين …قال الملأ من  قوم فرعون ان هذا لساحر عليم فدمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون …واذ انجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب …كداب آل فرعون وال\ين من قبلهم كفروا بآيات الله …فاهلكناهم بذنوبهم واغرقنا آل فرعون”.

اقول هل يزيل القلق من  نفوسنا ان تكون آيات الكتاب الكريم التى ورد فيها ذكر فرعون انما قصدت الى فرعون واحد وان سيئات هذا الفرعون الواحدفى مناصبته العداء لبنى اسرائيل وللرسالة الموسوية …لاتمحو حسنات الفراعين وما اقاموه من ركائز الحضارة الانسانية ودعائمها على مدى اربعة آلاف عام … اللهم نعم وبهذا اقنعت نفسى وحللت هذه المشكلة وازحتها من الطريق .

لكن المشكلة الاعوص هى ذلك التداخل المربك بين العروبة من جهة والاسلام من جهة اخرى …فواقع الامر هو ان هذين المفهومين لايتطابقان احدهما مع الآخر تطابقا كاملا …بل هما متداخلان… بمعنى ان العروبة  والاسلام  يتلاقيان معا فى العرب المسلمين وليس العرب المسلمون هم كل المسلمين ولا هم كل العرب فمن العرب من هم غير مسلمين ومن المسلمين من هم غير عرب… وبعبارة اوضح نقول  ان هناك ثلات فئات :فهنالك فئة العرب المسلمين وهنالك ثانيا فئة المسلمين الذين هم غير عرب كابناء تركيا ةايران وباكستان واندونسيا وغيرهم وهنالك ثالثا فئة العرب من غير المسلمين معظمهم يدين بالمسيحية كما فى لبنان ومصر وغيرهما …فاذا قال المصرى -مثلا- اننى انتمى الى العروبة والى الاسلام معا وجب ان يكون مفهوما ان الانتماء هنا له معنيان وليس معناه فى الحالة الاولى مطابقا لمعناه فى الحالة الثانية فالمصرى عربى بمعنى انه يتجانس مع سائر العرب فى نمط ثقافى واحد متعدد الجوانب والفروع واما المسلم المصرى فهو ينتمى الى الامة الاسلامية بجانب واحد هو جانب العقيدة الدينية وليس من الضرورى بعد ذلك ان تكون بقية  جوانب الحياة الثقافية مشتركة بين المصرى والباكستانى او الاندونيسى او غيرهما من المسلمين غير العرب.

ان درجات الانتماء لاتتدرج درجة درجة مع درجات الاهمية بل قد يكون اشد ما انتمى اليه التصاقا ليس هو اهم جانب من جوانب حياتى فربما كانت عقيدتى الاسلامية من حيث الاهمية اهم جوانب حياتى …لكن انتمائى لاسرتى ولقريتى ولوطنى وللعروبة وللانسانية جمعاء يجئ فيه ترتيب الدرجات على اساس آخر غير الاهمية وقد يكون هذا الاساس هو المشاركة الوجدانية فهذه المشاركة الوجدانية بينى وبين افراد اسرتى اقوى بالطبع من المشاركة الوجدانية التى بينى وبين مسلم من الصين وروسيا دون ان يغير هذا الموقف الوجدانى من حقيقة كون اسلامى اهم جانب من جوانب حياتى .

فالمعانى كما ترى متداخل بعضها فى بعض ومن هنا كانت صعوبة التفرقة بينها لكنها صعوبة يجب ان تذلل ليصبح تفكيرنا محددا وواضحا من حيث الانتماء …مصريون قبل ان نكون جذءا من الوطن العربى …ثم نحن عرب قبل ان نكون جذءا من الامة الاسلامية …واكرر القول مرة اخرى حتى لايسوء الفهم فاقول ان ان درجات الانتماء هذه شئ و…اهمية الاسلام للمسلم شئ آخر ولماذا يكون انتمائى للعروبة سابقا على انتمائى للامة الاسلامية… الجواب هو ان بينى وبين العرب نمطا ثقافيا كاملا بكل جوانبه فى حين ان مابينى وبين سائر الامة الاسلامية هو جانب واحد من تلك الجوانب المكونة للنمط الثقافى الا وهو جانب القيدة الدينية .صور كاميرا الموبايل 1000

قد يكون الامر بحاجة الى مزيد من الشرح لنتبين فى وضوح ماذا نعنى بالنمط الثقافى الكامل الذى يحتو ان اكون  -انا المصرى – جذءا لايجذأ من الوطن العربى فأقول العروبة نمط ثقافى من عاش حياته منخرطا فيه كان عربيا بغض النظر عن عرقه ومن اهم المقومات التى يتآلف منها ذلك النمط الثقافى : اللغة والدين وفلسفة القيم الاخلاقية والجمالية والاعراف والتقاليد والدعائم الاساسية التى يقام عليها النظام الاجتماعى من  الاسرة و ما يضبط العلاقات بين افرادها من قواعد الى المجتمع القومى من حيث هو بناء موحد تسرى فى انحاءه ضروب من الروابط بين الافراد وهنالك فى التاريخ العربى رجال لم يكن انتماؤهم العرقى عربيا اذا جعلنا العروبة مقيدة بحدود جغرافية معينة هى شبه الجزيرة العربية … لكن احدا منا لايتردد فى ضمهم الى العروبة من زاوية الاطار الثقافى الذى قضوا فيه حياتهم ونشاطهم وفكرهم وعقائدهم والا فمن الذى يريد منا  ان يخرج من العروبة رجالا مثل البخارى والترمذى وابن سينا والغزالى لكونهم ينتمون الى فارس من الناحية العرقية وليست العروبة بدعا وحدها فى كونها قائمة على نمط ثقافى معين لا على انتماء عرقى … فها هى ذى الولايات المتحدة الامريكية -مثلا- قد ضمت كل اجناس الارض من ناحية العروق لكنها قومية واحدة برغم ذلك التنوع بسبب الوحدة الثقافية التى يحيون فى اطارها او هم يحاولون جهدهم ان يحيوا فى اطارها لتتحقق لهم الروح القومية فى اقوى صورها .

العروبة اذن نمط ثقافى تجئ اللغة فى مقدمة عناصره ونحن اذا قلنا ان العرب يتكلمون اللغة العربية فلسنا نعنى هنا ان اللغة مجرد مجموهة من الرموز يتم بها التفاهم بين جماعة من الناس …كلا…وانما نعنى اللغة العربية من حيث هى طريقة خاصة للتفكير واستثارة المشاعر وقد يوجد من يدرس اللغة العربية من حيث من غير ابنائها دراسة تجعله ملما بمفردتها وطرائق تركيبها – كالمستشرق مثلا لانعده منخرطا فى العروبة لان اللفة فى هذه الحالة قد درست فى الظاهر كما ندرس الرموز الرياضية فى معدلات الجبر والحساب لكنه تنغرس فى دارسها على نحو يجعلها مدار فكره وشعوره.

قارن اللفة العربية باللغة الانجليزية -مثلا-تجد بينها ضروبا من الاختلاف يستحيل الا تكون انعكاسا لاختلاف ابناء هذه عن ابناء تلك فى طريقة التفكير ووجهات النظر واتجاهات الوجدان …خذ بعض الامثلة : لماذا تقسم مفردات اللغة العربية اسرا اسرا كل اسرة منها ترتد الى الثلاثى الذى انبثقت منه ( وهنالك قلة من اصول رباعية )بحيث يكفى العربى ان يلم بالثلاثى …مثل :ضرب او كتب وان يلم بطريقة استخراج الفروع التى تنبثق من ذلك الينبوع ليكون على علم باستخراج المشتقات التى يريدها فى المناسبات المختلفة فما دام يحمل فى جعبته الفعل كتب اصبح يسيرا عليه ان يستخرج منه افراد الاسرة جميعا :كاتب مكتوب كتابة كتاب …الخ وما كذلك اللغة الانجليزية فالانجليزى اذا عرف الفعل الدال على “كتب “لم يستطع استخراج الاسم “كتاب” لان هذا الاسم فى لغته قائم بنفسه وليس مشتق من فعل كتب ولذلك فان عليه ان يحفظه كما ورد …فهل من  شك  فى ان تجميع المفردات اللغوية تحت رؤسها الثلاثية انعكاس للروابط الاسرية او القبلية او العشائرية فى نظامنا الاجتماعى ؟

فالمتكلم باللغة العربية من ابنائها يعيش لغته فى نظامه الاسؤرى ويعيش نظامه الاسرى فى لغته فاذا وجدت جماعة من الناس اختلفت عروقها لكنها التقت فى لغة كهذه بكل دلالتها كانت تلك الجماعة منتسبة الى قومية واحدة . ولماذا اكتفت اللغة الانجليزية فى التقسيم الكمى بأن جعلت الاسماء اما “مفردا ” واما “جمعا”  فى حين جعلته اللغة العربية تقسيما ثلاثيا : المفرد والمثنى والجمع ؟ لماذا افرد العربى للمثنى خانة ودمجه الانجليزى خانة “جمع”؟ هل يمكن لاختلاف كهذا الا يعكس اختلافا بين الجماعتين فى رؤية الاشياء ؟فبينما العربى يساير تقسيمه الثلاثى والابعاد الثلاثية الكائنة فى المجسمات كلها وهى :الخط والسطح والكتلة …او قل الطول والعرض والارتفاع فأحتفظ بهذه الحقيقة الثلاثية ليظهرها فى لغته تفرقة بين ماهو مفرد وماهو مثنى  وما هو جمع والتقابل بين الاشياء وابعادها واللغة واقسامها تفاعل له مايبرره لان السطح ماهو الا خطوط تجاوزت  والحجم ما هو الا سطوح تتابعت اقول انه بينما للعربى هذه الرؤية فللانجليزى رؤية اخرى .

ولماذا حرصت اللغة العربية على التفرقة الكاملة بين المذكر والمؤنث فى كل لفتة من لفتاتها على حين اكتفت اللغة الانجليزية فى تلك التفرقة بمواضع دون اخرى … ففى  العربية اذا خاطبت رجلا بقولك” انت “فتحت التاء واذا خاطبت امرأة كسرت التاء …اما فى الانجليزية فضمير المخاطب مشترك ومعظم الاسماء فى اللغة الانجليزية لاتفرقة فيها بين رجل وامرأة فقولك “مدرس” او “كابت” او “ممرض” وآلاف اخرى من هذا القبيل وتنصرف الى الرجل والمراة على حد سواء.

فاذا كنت تقرا صحيفة او كتابا ووجدت جملة انجليزية معناها ” قال الطفل ان المدرس اعطاه كتابا” لما عرفت اهو طفل او طفلة ولاعرفت اهو مدرس او مدرسة لان الاسماء وحدها فى اللغة الانجليزية لاتفرق لكننا نعرف ان اللغة العربية تتعقب تلك التفرقة بين المذكر والمؤنث فى  جميع اوضاعها والمفرد والمثنى والجمع فلكل من القسمين طريقته الخاصة التى تذكره بها اللغة العربيةفهل يمكن الايكون هذا الصدى للتفرقة الحادة فى حياة العربى بين الذكر والانثى ؟وهكذا وهكذا تستطيع ان تجد عشرات  الجوانب الرئيسية فى البناء اللغوى الدالة عاى حقائق معاشة فى حياة الانسان العملية او الفكرية مما يبرر لنا القول بأن جماعة الناس الذين يتكلمون اللغة العربية هى جماعة تحيا بدماء ثقافية واحدةولها رؤية مشتركة ترى بها العالم ومافيه ويترتب على هذه المشاركة ان تكونتلك الجماعة مكونة لقومية واحدة ,

وما قدمناه عن اللغة ودلالاتها نقول مثله عن موقف الناس من فلسفة القيم اخلاقية وجمالية واجتماعية فاذا  وجدنا جماعة تتميز دون سائر الجماعات بوقفة خاصة بها فى وجهة نظرها بالنسبة الى مبعث القيم كان لنا مايبرر اعتبار تلك الجماعة مندرحة فى نموذج بشرى واحد ولنحصر حديثنا الان فى القيم الاخلاقية من وجهة النظر العربية فلابد لنا بادىء ذى بدء من لفت الانظار الى حقيقة هامة وهى ان الفوارق بين شعب وشعب فى هذا المجال  . ليس هو ان شعبا يجعل فعلا ما فضيلة من الفضائل  فى حين يجعله الشعب الآخر رزيلة. كلا فالانسانية كلها تكاد تتفق على الرءوس  الكبرى لما هو فضيلة وماهو رزيلة  . ولعل ” الوصايا العشر”هى خير مايلخص لنا اهم مايلتقى عنده شعوب الارض جميعا فيما يجب على الانسان فعله او عدم فعله فى حياته الخلقية . فليس بين شعوب الارض شعب يجيز القتل بغير ذنب ويجيز السرقة ويجيز الكذب والغدر والخيانة وعدم الوفاء بالعهد.

كل شعوب الارض متفقة فى هذا المجال ولا يعنى هذا الاتفاق بينها ان يزل الافراد هنا او هناك فيخطئوا.

اقول ان موضع الاختلاف الاساسى بين الشعوب فى المسالة الخلقية ليس هو فى يقين الفضائل الواجبة والرزائل المنهى عنها بل موضع الاختلاف بينها هو فى تعليل ذلك الوجوب او هذا النهى . نعم كلنا متفقون على ضرورة الوفاء بالعهد ولكن لماذا كان الوفاء بالعهد واجبا خلقيا مفروضا على الانسان هنا نجد الاجابة عن هذا السؤال تختلف باختلاف الثقافات التى تتميز بها الشعوب بعضها عن بعض والذى يبرز ضروب الاختلاف هذه هم فلاسفة الاخلاق فهؤلاء هم الذين يتغقبون الثقافات المختلفة الى جذورها الاولى فقد نجد بعد البحث ان الشعب الانجليزى يرى ان الوفاء بالعهد فضيلة لان خبرة الانسان الطويلة بالحياة قد دلت على ان وفاء الناس بعهودهم اضمن لقيام  المجتمع وعلاقات افراده بعضهم مع بعض على اساس مكين ثابت ولكنك اذا اجريت مثل هذا البحث على جماعة العرب لترى وجهة نظرها فى تعليل هذا الوجوب نفسه الذى يقضى عبى الناس الوفاء بعهودهم فربما وجدت ان التعليل عندها هو ان ذلك من فروض الدين . وهكذا ترى تعليلات مختلفة عند الشعوب المختلفة للظاهرة الخلقية الواحدة ولست اريد ان اترك الحديث فى هذه النقطة قبل ان اعيد التوكيد بأن اختلاف الشعوب فى المسائل الاخلاقية ليس هو ان هنالك شعوبا متمسكة بالاخلاق وشعوبا اخرى متهاونة فيها بل الاختلاف – كما قلت- هو فى التعليل وهو اختلاف قلما يطرأ للانسان  العادى فى حياته اليومية لكنه يظهر على يدى من دأبه تعقب الحقائق الى اصولها الاولى .

فكلما وجدنا المشاركة فى لغة عربية واحدة تتضمن ان يكون المشاركون ذوى رؤية واحدة فى موقفهم من العالم ومن الحياة مما يبرر ان يعدوا امة واحدة فكذلك نقول ان المشاركة فى تعليل واحد للظاهرة الخلقية مبرر آخر لاعتبار المشتركين اعضاء فى جماعة واحدة فاذا اجتمع المبرر الاول والمبرر الثانى معا فى جماعة بعينها اذدادت الفكرة قوة بأن تلك الجماعة منتمية الى قومية واحدة .

وليست اللغة العربية ووجهة النظر الاخلاقية هما وحدهما مايربط ابناء الامة العربية فى حقيقة واحدة بل تضاف اليهما عوامل  اخرى كثيرة منها طريقتهم فى قياس درجات الكمال للأشياء فما الذى يجعل حيوانا اكمل من حيوان …وشجرة اكمل من شجرة …وانسان أكمل من انسان ؟ … اذا بحثنا عن الجواب عند الفكر الغربى وجدنا هناك مقابلة بين الفكرة والشئ بمعنى ان الذهن البشرى يتصور صورة معينة او تعريفا معينا للشئ ثم تقاس مفردات الكائنات من حيث درجات كمالها الى تلك التعريفات العقلية لها ليحكم على درجة كمالها بدرجة اقترابها من النموذج النظرى …تلك هى خلاصة الوقفة الاوروبية… او قل وقفة الغرب … واما فى الامة العربية فالوقفة مختلفة لان العربى ايا كان موقعه من الوطن العربى الكبير لايقيس الشئ المراد الحكم عليه الى  ” فكرة  عقلية ” بل يقيسه الى شئ آخر من جنسه … فالجواد يقاس الى جواد امثل  وقصيدة الشعر تقاس الى قصيدة اخرى … الانسان الى انسان ىخر اتفق الرأى على كماله …وهكذا

ليست غايتنا مما اسلفناه دفاعا عن وجهة نظر وتجريحا لاخرى بل اردنا ضرب الامثلة التى توضح مازعمناه وهو ان العروبة ان هى الا انتماء الى نمط ثقافى معين وكان علينا ان نوضح ما اردناه بهذه العبارة …ومصر فى هذا النمط الثقافى الذى تتميز به العروبة قد تميزت به وامتازت فيه اذ كانت اقدر من سواها على تمثل تلك الرؤية بكل تفصيلاتها وعبرت عن ذلك بسلوكها وبما ابدعته من فكر وفن .

فلئن كانت الهوية المصرية اقدم وارسخ واوضح من ان تكون موضعا لسؤال الا ان هنالكامورا تثير شيئا من القلق عند من يريد لنفسه التيقن والدقة … وهى امور تنشأ من سيل المفاهيم المقترنة واعنى المصرية والعروبة والاسلام بالمصرى  المسلم الصادق مع نفسه يريد ان يطمئن على انه ليس فيما ورد عن فرعون وقومه فى الكتاب الكريم مايستلزم انتقاصا لشعور المصرى بالاعتزاز بأسلافه … ثم يريد المصرى المخلص لنفسه ى ان كذلك ان يطمئن بأن المصرية والعروبة لايتناقضان بل ان الاولى تحتم الثانية واخيرا يريد العرب ان يمون واضح الرؤية فيما يختص بأنتسابه الى العروبة والاسلام معا ولهذا كله عرضت ما عرضته هذا …لان القضية تستحق النظر .